قصة عمارة الشمري كلنا تقريبًا بنشوف إن أكبر قوة شر متمثلة في الشياطين والجن.. لكن مافيش مرة فكرنا في النفوس اللي بتسخر كل ده في خدمة الشر، وبتتحول الشياطين ساعتها لأدوات بتخدم شر اللي سخرها، والنفس البشرية هي أساس الشر، والعامل الأساسي اللي بيتبني عليه كل شيء سيء وقذر.. النفس السيئة بتهيأ لصاحبها كل السبل الممكنة والغير ممكنة إنه يُشبع شهوته في ممارسة الشر..
شارعنا موجود جوه منطقة شعبية، وجوه شارعنا، وتحديدًا قصاد العمارة اللي أنا ساكن فيها في أرض فاضية وعليها سور من الطوب.. بالبلدي كده هي خرابة، مليانة زبالة أعزكم الله، ومستنقع للحشرات، ومن تكدس الزبالة فيها بتولع لوحدها بسبب حر الصيف.. سنين ووسنين وفضلت الخرابة على دا الحال، لحد ما صحينا يوم الصبح لقينا دوشة وأصوات حفر وخلافه، وعرفنا إن في ناس اشتروا حتة الأرض دي، وقرروا يبنوا عليها عمارة سكنية كبيرة.. ساعتها كان لسان كل واحد من سكان شارعنا بيقول: إن أخيرًا القرف ده اتشال، وهيبقي مكانه في حاجة كويسة بدل الريحة النتنة والحرايق اللي بتحصل في الخرابة.. وفي خلال سنة تقريبًا كانت العمارة خلصت وسكنت بالكامل.. بس بصراحة؛ بعدها بقينا نقول بندم: ياريت الخرابة فضلت والعمارة دي ماكنتش اتبنت.
اتعرفت العمارة باسم عمارة الشمري نسبة لصاحبها، وبقيت أشهر عمارة في الحي بالكامل بسبب الأحداث اللي حصلت فيها.. وبرغم إن فات على الأحداث سنين، إلا إن لسه سيرة العمارة وحكايتها عايشة بين الناس وبيحكوا عنها وعن غرابتها ورعبها لحد يومنا ده.
العمارة كانت 6 أدوار.. كل دور على شقة واحدة، وكل شقة بيسكنها أسرة ما جديدة عن منطقتنا لأن طبعًا العمارة لسه جديدة.. الدور الاول كان ملك لواحد اسمه محمد، وده كان بيوضبها عشان يتجوز، بالتالى كان بيجي كل فترة يظبط حاجات في الشقة ويمشي.
الدور التانى ملك لأسرة مكونة من 4 أفراد أم وأب في التلاتينات محمود وايمان وابنهم رامي وبنتهم رضوى
الدور التالت كان لست أرملة اسمها مدام جيهان قريبة صاحب العمارة، عندها يجي ٥٠ سنة كده.
الدور الرابع ساكن فيه عم سيد، وده راجل في السبعين من عمره ومراته الحاجة إلهام.
الدور الخامس كان ابن صاحب البيت عصام وعروستة، اللي يا دوب اتجوزوا بعد شهر من انهاء بناء العمارة وكانت تقريبًا سكنت كلها.
الدور السادس والأخير كان بيسكنه العيلة الأغرب على الإطلاق، راجل رب أسرة اسمه متولى الدمرداش، وزوجته الحاجة أم ياسر، ومعاهم ابن مراهق تقريبًا عنده 20 سنة، وكان ليهم ولدين كمان وبنتين متجوزين ومخلفين وبيزورهم كل فترة زي أي بيت مصري مترابط عادي، كل ده يبان عادي، إنما اللي مش عادي تصرفات وشكل ابنهم شهاب المراهق، أول ما تشوف شهاب من النظرة الأولى هتعرف انه شخص غير سوي ومدمن نوع من أنواع المخدرات، تايه دايمًا، وعنيه مسقطة وحمرا تحس إنه نعسان على طول، ومشيته كأنه خارج من فيلم للزومب، طريقة كلامه وصوته ومخارج حروفه مش مظبوطين، مش تريقة، هو بيتكلم بطريقة عجيبة، حتى لبسه كان غريب جدًا..
وفي يوم سمعنا خناقة كبيرة ما بين عم متولي وشهاب ابنه، وكان صوتهم عالي جدًا، ولأن الدور اللي أنا ساكن فيه هو السادس زيهم، والعمارة في وش العمارة، فأنا سمعت كل الحوار اللي دار بينهم، وقال الحاج متولي لابنه:
_ أنت مش ناوي تتعدل بقى؟ أنت إيه يا أخي شيطان؟ كل شوية أقول لنفسي ماتقفش عليه، سيبه بكرة هيكبر ويعقل ويرجع عن الطريق اللي هو ماشي فيه ده، لكن ولا بيحصل حاجة، كل يوم بتزيد شيطانتك أكتر وأكتر.
فرد عليه شهاب بطريقة كلامه زي المتسولين:
_ بقولك إيه ياعم أنت، أنت تحلك وتفكك مني خالص عشان مش نقصاك، أنا أعمل اللي يعجبني براحتي، أنت مش هتشاركني.
رد عم متولي وقتل له:
_ يا ابني أنا لحد دلوقتي مش راضي أطردك، ولا أخلي أخوك الكبير يتدخل ويمد إيده عليك، لكن الموضوع زاد وانا مابقتش قادر عليك خلاص، وأنت كل مادا قلة أدبك بتزيد، والمرة دي النتيجة اهي، أمك مطلعة من جيبك شريط برشام.
فرد شهاب على أبوه بكل قلة أدب:
_ هات بس ده كده ومالكش دعوة بيا وميخصكش.
سمعت بعدها صوت خبطت ورزع والزعيق زاد وبقى أعلى، فنزلت بصراحة وطلعت على شقتهم، وماكنتش لوحدي، كان معايا معظم الجيران.. حاولنا نهدي الوضع ونخلي الأب يجتنب ابنه، ومن الواضح إن شهاب مش في حالته الطبيعية.. خلصنا الموضوع وجزء مننا بدأ يهدي عم متولي، وجزء مننا أخد شهاب وفضلوا يكلموه وفوقناه، وخلناه يصالح والده ويعتذر له، ويوعده إنه هيبطل وهيرجع عن الطريق اللي هو ماشي فيه ده..
فات بعدها شهر؛ وكانت الأمور مستقرة وكل الناس في الشارع عايشة حياتها اليومية عادي جدًا.. وفي ليلة سمعنا عم متولى بيزعق كالعادة لشهاب وبيقول له:
_ أنت كمان جايب واحدة البيت، أنت إيه خلاص فجرت للدرجة دي وماحدش قادر عليك؟
وبعدها بدقيقة نزل شهاب من العمارة ومعاه واحدة فعلًا وفي ثواني اختفوا، ونزل الراجل وراه وهو في حالة هيستيرية وبيبكي وبيقول:
_ استعوضت فيك ربنا خلاص، يا رب يا تاخده يا تهديه وترجعه عن الطريق ده.
كالعادة اتلمينا وبدأ الراجل يفضفض بالكلام ويقول:
_ الواد كان طبيعي وكويس وزي الفل والله، ومن سنة بدأ يتغير، ده ماكنش بيسيب صلاة، فجأة بدأ يقلل واحدة واحدة لحد ما لما بقى مابيركعهاش،وماكنش بيشرب سجاير، وبدأنا نشم ريحتها في هدومه فقولت شباب وبتجرب، وقعدت معاه مرة واتنين ونصحته، لكن الأمور اتطورت بسرعة، بقا على طول حابس نفسه في أوضته، ومابقيناش نشوفه إلا بس وهو نازل، وأول ما يرجع يدخل على أوضته ويقفل الباب على نفسه، بقينا نسمع من أوضته مزيكا غريبة كلها خبط ورزع وأصوات عالية ومزعجة.. ده كمان مابقاش يغير هدومه، ممكن يقعد لابس تي شيرت شهر، والله حد ما بقا يرضى يستحمى خالص.. أنا مش قادر أفسر اللي بيحصل له، إخواته عُمر ما حد فيهم زعلني ولا عمل حاجة بره حدود الأدب، لكن ده اتشيطن.. ساب الصلاة وبقى يشرب مخدرات، وأهو وصل بيه الحال والمرة دي جايب لي واحدة البيت.. أنا خلاص فاض بيا، واتصلت بأخوه الكبير هو بقى يتصرف معاه، أنا كبرت ومابقيتش قادر عليه خلاص..
كلام عم متولى كان غريب جدًا، وناتج عن حد فاض بيه فعلًا، ومابقاش لاقي حل مع حال ابنه اللي اتغير ١٨٠ درجة، بس للأسف إحنا مافيش في إيدينا حاجة نعملها غير إننا نسمع ونحاول نطيب خاطره، وندعي لشهاب إن ربنا يهديه..
فات بعد الموقف ده ٣ أيام.. وفي ليلة قرب الفجر؛ حصل زعيق جامد كالعادة.. وفجأة سمعنا المرة دي صوت بتترزع ووقعت من مكان عالي على الأرض، وبعدها سمعنا صوت صريخ مرعب، نزلت أجري على عمارة الشمري، وكل الناس اتجمعوا ودخلنا العمارة، عشان نوقف كلنا مصدومين من المشهد اللي شوفناه.. الصدمة إننا لقينا شهاب واقع في حوش أو بير السلم وغرقان في دمه.. وجسمه كله متكسر تقريبًا من الوقعة من الدور السادس على سيراميك أرضية الحوش.. مشهد مرعب؛ ويخلى الجسم يقشعر والعين تدمع على موت شاب في بداية حياته بالطريقة دي، وأكيد مات وهو مش في وعيه، كل اللي نقدر نعمله في سرنا إننا ندعي له ربنا يسامحه.. ساعتها اللي جري يطلب الإسعاف، واللي راح يكلم البوليس، ووسط كل ده؛ نزل من فوق عم متولي وأخو شهاب الكبير ووالدته.. جري عم متولي ومراته ونزلوا على الأرض وحضنوا ابنهم الميت في مشهد مؤثر أجبر كل اللي واقفين على العياط والتأثر، إلا إن أخوه فضل واقف مكانه ماتحركش، وده كان غريب في حد ذاته.. الإسعاف والشرطة والنيابة وصلوا، وبدأت كل جهة فيهم تعمل دورها.. فالشرطة عملت كاردون حوالين الشارع والعمارة، والنيابة والبحث الجنائي بدأوا في رفع البصمات وتوجيه بعض الأسئلة لأهله والناس، وقامت الإسعاف بنقله للمشرحة عشان استكمال عملية التشريح ومعرفة التتيجة إن كان انتحر ولا وقع ومات بفعل فاعل.. وبعدها انفضت الناس، والنيابة أخدوا والد وأخو شهاب معاهم عشان يستكموا التحقيق والإجراءات.
وفات كام ساعة، ولقينا عم متولي رجع لوحده من غير ابنه الكبير، لكن ماحدش فينا سأله عن أي حاجة، بصراحة كفاية أوي اللي هو فيه، لكن ده كان ليوم واحد بس، لكن الفضول كان أكبر وحركنا، واقترح علينا جار من الجيران إننا نتجمع ونطلع نعزيه ونشوف إيه اللي حصل.
كنا 4 أشخاص بس، طلعنا خبطنا الباب وفتح عم متولي، رحب بينا ودخلنا شقته، وساعتها برضو حسيت إحساس غريب جدًا، برغم إن في حزن، إلا إنى لمحت بصيص فرحة في عينيه، وكإن دعوته اللي دعاها على شهاب اتحققت وربنا ريحه من الشيطان اللى كان مخلفه، وبعد ما سألناه عن اللي حصل بدأ عم متولي بالكلام:
_ بعد خناقتى معاه بسبب البنت اللى كان جايبها، نزل وغاب شوية ورجع لوحده، دخل أوضته على طول وقفل الباب على نفسه، بعدها بساعة بدأت أسمعه بيتمتم وبيهمس بكلام غريب أوي، وسمعت أصوات قلبك يتقبض لما تسمعها خارجة من عنده في الاوضة، لدرجة إني شكيت إن معاه حد فعلًا، رغم إني شوفته إنه رجع لوحده، قلقت أوي، وحاولت أفتح عليه باب الأوضة، لكن الباب كان مقفول من جوه، ولما لقيته ساكت وماتكلمش عن محاولتي لفتح الباب خوفت أكتر، فافتكرت إنه عمل حاجة في نفسه، كسرت الباب ودخلت عليه، لقيته واقف عريان تمامًا وجسمه كله أزرق وثابت مكانه زي الصنم، جريت عليه بسرعة وغطيته بملاية، وأنا ماعنديش أي إجابة ولا تفسير للي بيحصل، وأخدته نيمته على السرير وهو متخشب ومابيتحركش، وفضلت أقرأ له قرآن، ووالدته ساعتها كمان دخلت، وبقا كل واحد فينا بيقرأ له في سره، وبعد ساعة بدأ يرجع لوعيه من تاني، وأول كلمة قالها لما فاق طردنا وقال: (اطلعوا بره، كنتوا هتموتوني بسبب تطفلكوا.)
كمل عم متولي كلامه وقال:
_ فات بعدها كام يوم، وكل ليلة بنسمع نفس الأصوات، وزاد إننا بقينا بنشم روايح وحشة جدًا خارجة من أوضته، حتى وصل بيه الحال إنه حتى مابقاش يخرج من أوضته يروح الحمام.. وفي الليلة اللى مات فيها؛ خرج الصبح، وانتهزت فرصة نزوله ودخلت أوضته أفتش فيها، كان قلبي حاسس إن في حاجة غريبة بتحصل، وفعلاً لقيت أجندة مذكرات صغيرة في الدولاب عنده، مكتوب فيها زي خواطر هو كاتبها، أو حاجة شبه المذكرات اليومية كده، لاحظت إن الكلام مش مترتب بطريقة صحيحة في كل الصفحات، لدرجة إني مش قادر أقرأ أي جملة مفيدة ليها معنى، مافيش غير هي جملة واحدة بس: (أنا في طوعك لا تقتلني).
فضلت أدور تاني، لقيت ورق مطبق مثلثات كده في هدومه، دي أحجبة اللي بتتعمل عند الدجالين، ولقيت مصيبة أكبر أكدت لي إنه ماشي في سكة الكُفر والدجل، لقيت عضم صباع إنسان جوه بطرمان إزاز، وعليه دم زفر وريحته مقرفة، ده غير إني لقيت في الإدراج دبابيس وإقفال، وصور فوتغرافيه بتاعته مقطعة حتت، وأحجار عجيبة وبخور وعطارة، وحاجات ما يعلم بيها إلا ربنا.. ووقتها قررت إني أسيب كل حاجة مكانها، ولما يرجع أعرف بيعمل إيه بيهم.. ولما رجع دخل أوضته لثواني وخرج قال:
(النهاية قربت، وهترتاحوا مني، وهتبدل بحد أحسن مني، كان لازم بإيدي أخلص كل حاجة عشان الحقيقة تظهر).. طبعًا الكلام اللي قاله ماكناش فاهمينه، وهو ما اداش لحد فرصة يسأله ولا يكلمه، وبسرعة رجع دخل أوضته وقفل على نفسه لحد ما أخوه جه بليل، حاول يكلمه ماكنش في فايدة، ومارضيش يخرج يقابله، وسمعناه بيجر كرسي وبيزنق بيه الباب من جوه، فاضطر أخوه يدخل عليه الأوضه، ولأن الباب كان مكسور فأخوه زقه والكرسي وقع ودخل، فمسك في خناق أخوه وكان عايز يضربه، ولما ماقدرش، جري على المطبخ ومسك سكينة وكان عايز يقتل أخوه.. في محاولة من أخوه تفادي السكينة وشد وجذب باب الشقة كان مفتوح وخرجوا بره، ومرة واحدة هو وقع من بير السلم ومات، ده كل اللي حصل ليلتها، وبعدها روحنا النيابة ورجعت، بس الأغرب هو اللي حصل بعد ما رجعت، ساعتها فضلت أنا ووالدته قاعدين ساكتين وكل واحد في اللي مكفيه، فلقيت إن القاعدة كده مالهاش لازمة، ومش هتفيد بحاجة، فقولتلها قومي ننام، وهنستني تليفون من النيابة والطب الشرعي بميعاد الدفن، وابنك الكبير روح بيته ماتقلقيش.. ماردتش عليا وفضلت تبكي وقامت دخلت الأوضة، وأنا اتوضيت وصليت ركعتين، وفضلت ادعي لشهاب إن ربنا يسامحه، وبعدها جيت عشان أدخل أنا كمان الأوضة فلقيتها بتقول لي:
_ شهاب ماماتش
_ إزاي بس، أنتي بتقولي إيه؟
_ أنا بقولك ماماتش، اللي مات الشيطان، شهاب هنا كان لسه معايا وسابني ودخل أوضته.
_ شيطان إيه اللي مات، نامي يا حاجة واستهدي بالله، أنا عارف قلوب الأمهات، وربنا يصبرنا ويجمعنا بيه في مكان أحسن وأفضل اللهم آمين.
لقيتها يا اخوانا مصممة على كلامها وقالت لي:
_ يا متولي أنا ماتجننتش، يا حاج شهاب عايش وكان هنا معايا، وحكى لي كل حاجة.
فجأة سمعت صوت باب أوضته اتفتح، وبدأت أسمع صوت خطوات رجلين على الأرض خارجة من الأوضة عنده رايحة ناحية الحمام، وصوت باب الحمام بيتقفل.
خرجت من الأوضة براحة وأنا جسمي بيترعش، ولما بصيت ناحية الحمام بقيت هتجنن وخوفت أوي، لأني لقيت نور الحمام اللي أنا قافله بإيدي منور، وفعلاً الباب مقفول.. فضلت لثواني واقف متنح، واتفزعت مرة واحدة لما لقيت مراتي واقفة ورايا وبتقول لي:
_ صدقتني، شهاب ماماتش، هو اللي جوه في الحمام، اصبر وهتشوفه وهو خارج..
وبعد لحظات النور اتقفل وباب الحمام اتفتح، وسمعت نفس صوت الخطوات، حد خرج من الحمام ومشي لحد باب أوضة شهاب ودخلها والباب اتقفل قدامي، بس أنا مش شايف حد قدامي.. جريت فتحت الباب وكان النور مقفول، فتحت النور بسرعة؛ وللحظة أو ومضة كده سريعة، لمحت شهاب واقف قدامي وفجأة اختفى.
فضلت واقف مسهم ومذهول في مكاني، ومابقيتش عارف إيه اللي مفروض أعمله أو استوعبه، فقفلت النور تاني لا إراديًا، كإن كأن في حاجة بتؤمرني اطفي النور عشان يظهر تاني فاشوفه لأنه وحشني، عنينا دمعت لما طفيت النور وماظهرش، كان في جوايا حاجة بتقول لي إن شهاب حصل له حاجة كبيرة ومش مفهومة غيرته، وليه لا، يمكن فعلًا اللى كان عايش معانا ده شيطان مش شهاب، وإحنا ماقدرناش نفهم ده.. في النهاية اضطريت أقفل الباب، وروحت مسكت ايد والدته ودموعنا مالية عنيا، وأخدتها عشان ندخل الأوضة بتاعتنا ننام، وساعتهاسمعت صوت شهاب بيقول: «أبويا».
التفاتنا بسرعة لإتجاه الصوت، ولقينا باب الشقة مفتوح والصوت جاي من بره، وفضل الصوت يردد نفس الكلمة، وصلت لباب الشقة، وساعتها شوفته، شوفت شهاب واقف في نفس المكان اللى وقع منه، وقفت مكاني ماقدرتش أتحرك وأنا مذهول من إنه فعلاً واقف قصادي وأنا شايفه ومابحلمش ولا بيتهيأ لي، وقال:
_ ماقدرتش أغلبه، كان أقوى مني، سمعت كلامهم وأنا اللى خليته يجي عالمنا، وساعتها هزمني، وعاش جوايا وحولني للعبة في ايده وغيرني، حاول تصدقني يمكن تغلبه وتصرف شره، مش هقدر أظهر لك تاني، وإن حصل وظهرت فمش هكون أنا، حذر إخواتي، وحذر سكان العمارة بالذات، لأنه أصبح هنا ومش هيمشي، الحل في انهاء شره ماقدرتش اكتشفه، حاولوا تلاقوا الحل ده قبل فوات الأوان، قبل ما شره يسيطر ويقتل ويدمر ضحايا غيري، أنا آسف لأني مشيت وراه، أرجوك حذر سكان العمارة منه لأنه بقا هنا معاكم ووسطكم.
وفجأة رمى نفسه من بير السلم لما خلص كلامه، وجريت بصيت من السلم بس مالقيتش حاجة، اتبخر واختفى.. ولقيت مراتي بتزعق وبتصرخ وبتقول لي: _ حاسب.. حاسب يا متولي.
صوتها وتحذيرها خلاني اتحركت، يمكن سنتى واحد في اتجاه الباب، عشان ألاقي تكييف وقع من فوقي ونزل تحت مكان ما وقع شهاب، الجهاز اللي بيكون أحياناً فوق الأسطح ده، تقريبًا المروحة بتاعت التكيف، وما أعرفش ده إزاي وقع، ولا جه منين ولا حد رماه وكان قاصد يموتني.. لكن ساعتها لمحت فوق عند السطح خيال واقف مالوش ملامح واضحة، مجرد خيال وبعد لحظات اختفى..
ده الكلام اللي حكاه عم متولي، فاقترحنا نجيب شيخ يقرأ يمكن هو اللي يكون عنده الحل، وساعتها ابنه الكبير جه وإحنا قاعدين معاه، وقال إنه جاله استدعاء من النيابة، ففكرة الشيخ اتأجلت لحد ما نشوف إيه الجديد اللي هيحصل.. كنا ساعتها الضهر، وعم متولي أخد ابنه الكبير ياسر وراحوا النيابة، و رجعوا على صلاة العشاء كده، واتجمعنا مرة تانية في شقة عم متولي، اللي كان على ملامحه استغراب ودهشة وخوف وفزع، وكل الأحساسيس المرعبة في وقت واحد، وبدأ يحكي وقال:
_ قالوا لنا في النيابة نروح على المشرحة، ولما روحنا وسألت، قالوا أطلع الدور الرابع، طلعنا بالاسانسير، وأول ما الأسانسير فتح؛ لقينا قدامنا مكان واسع وكبير جدًا مافيهوش إلا باب واحد بس في آخر الدور، المكان فيه هدوء رهيب، ودرجة برودة منخفضة زي تلاجات الفاكهة، كأنك دخلت المقابر في يوم عادي، وحسيت إحساس مريب، إحساس بريحة الموت في كل مكان، إحساس يشل حركتك ويجبرك تتحرك ببطء وبحذر، زي ما يكون مستنى حاجة هتظهر لك مرة واحدة وتموتك.
مشينا براحة لحد ما وصلنا للباب، اللي كان من درفتين وشبه أبواب غرف العمليات والرعاية المركزة، لونهم أبيض وفيه دايرتين ازاز من فوق، وأنا من زمان قلبي بيتقبض منه بمجرد ما بشوفه في فيلم ولا مسلسل، بصينا من الفتحتين الازاز، وكان فيه باب تاني من جوه مقفول، لكن كان مقفول، لأنه مرة واحدة بدأ يتفتح ببطء، اتخضينا ورجعنا لورا خطوتين، وخرج دكتور ومعاه شاب في أواخر التلاتينات والشاب ده سألنا أنتوا مين، فجاوبته، فقطع كلامي وقال:
ودخلنا من الباب الأول، والدكتور سبق خطوتين وفتح الباب التاني، عشان نلاقي نفسنا داخل تلاجة الموتى، غرفة بكامل الدور على شكل حدوة حصان، وكلها ادراج، وكل درج ليه رقم متسلسل، وسرير في النص، سرير زي بتاع العمليات وراكب عليه لمبة اضاءتها لونها أصفر، كل حاجة هنا ريحة الموت خارجة منها، لدرجة إنك تحس وكأنك ميت وروحت وعبرت لعالم آخر.. وكان في جثة على السرير، وقطع إحساسي وتقكيري كلام الدكتور وهو بيقول لي:
_ ربنا يصبرك يا حاج، حاول تتمالك نفسك لأن اللي هتشوفوا دلوقتي غريب جداً، وأنا شخصيا خلال 18 سنة لمزاولة مهنة الطب الشرعي، أول مرة يمر عليا واشوف حالة زي دي، دي جثة شهاب ابنك، وكنا حاولنا نرجع العضم مكانه بعد الكسور الكبيرة اللى سببتها الوقعة من دور عالي..
وشال طرف الملاية اللي متغطية بيها الجثة، من ناحية جنب شهاب اليمين، وظهرت علامة من 3 شرطات على صدر شهاب، شكلها غريب جدًا وكأنها صوابع غول أو وحش.. الدكتور رجع غطي الجثة وطلب مننا نخرج ونقعد في مكتبه نتكلم، ووصلنا المكتب في الدور اللي فوقيه وبدأ بالكلام وقال:
_ حاولنا بكافة الطرق معرفة إيه العلامات دي، لكن ماقدرناش نوصل لأي نتيجة، لا هي أثر صوابع مثلاً ناتجة عن إن حد زقوا، ولا هي كدمة، ولا هي أي شيء ليه تفسير طبي، ولا حتي جنائي، فهل أنت عندك تفسير للعلامات دي يا حاج متولي؟
هزيت دماغي إني إني لا ماعنديش تفسير، وطلبت منه عمل اللازم للدفن، ومساعدتى إني أدفن ابني بسرعة، واستأذنته عشان أمشي، ولما نزلنا من عنده فضلنا نلف بالعربية أنا وياسر وإحنا مابنتكلمش، وبعد ساعات رجعنا من غير أي تفسير لكل اللي حصل..
كنا كلنا ساكتين لما عم متولي خلص كلامه، واللي حصله هو وياسر ابنه في المشرحة، ومافيش حد كان لاقي كلمة يقولها، بس أنا قررت أكسر الصمت ده وقولت:
_ إحنا لازم نشوف شيخ، يمكن لو قرأ المذكرات وسمع الحكاية ودخل الأوضة يبقي عنده الحل والتفسير للي بيحصل ده.
كلهم وافقوني على رأيي، واتفقنا على كده، وقومنا عشان ننزل من عند عم متولي، لقينا الاسانسير مش شغال ، والعمارة كانت فيها مكان للاسانسير وسلم عادي واسع جنب الأسانسير وليه بير زي ما بنسميه، وده اللي وقع منه شهاب، وقررنا ننزل على السلم، وأول ما وصلنا للدور الأول اللي فيه شقة الشاب العريس اللى بيوضب في شقته، سمعنا صوت حاجة بتتكسر، فجرينا بسرعة عشان نلاقي باب الشقة مفتوح وجثته متعلقة على حبل في الصالة، وجسمه من فوق عريان، وعلي جانب صدره اليمين نفس ال3 علامات اللي عم متولي قال إنه لقاهم على صدر ابنه!.
كلنا وقفنا قدام منظر محمد وهو مشنوق ومتعلق من رقبته ع الحبل، كانت ملامحه عليها رهيب، وعنيه كانت مبرقة بطريقة غريبة، ورقبتة مكسورة، لك أن تتخيل إن الصوت اللي سمعناه وإحنا على السلم ده كان صوت كسر رقبته، المنظر كان صعب جداً حتى في الوصف، المشهد كان مؤلم ومفزع لأبعد درجة..سيبنا كل حاجة مكانها لحد ما النيابة جت، ومعاها الطب الشرعي، ونفس الإستغراب كان حاضر على ملامحهم من طريقة كسر الرقبة، والمسافة القريبة لسقوط الجسم، في حالات الشنق لازم يكون فيه مسافة كبيرة تحت الجثة، عشان لما الشخص جسمه يسقط من ارتفاع عالي فعقدة الحبل تقفل على رقبته وتكسرها بسبب سقوط تقل جسمه، إنما المسافة هنا قصيرة جداً، فإزاي الكسر القوي ده حصل، بالإضافة لوجود ال3 علامات اللي اتكررت للمرة التانية وماكنش ليهم تفسير منطقي نهائي.. وزي المرة اللي فاتت، كل جهة قامت بدورها، والإسعاف أخدت الجثة للمشرحة واتقفلت الشقة وراح فيها شاب تاني كان بيجهز عشان يتجوز.. كل واحد راح على بيته واتفضت الناس، ورجعت الحياة لطبيعتها الصامتة الساكنة اللي ريحة الموت بقت بتفوح من كل ركن فيها.
طلعت بيتي وأخدت دش وطلعت بعدها البلكونة، وكانت الساعة في حدود 3 ونص الفجر، ووقفت أشرب سيجارة في البلكونة، ويا دوب ولعتها ولقيت نور خفيف في شقة محمد اللي لسه متوفي أو مقتول من ساعات، ضوء خافت عامل خيال على الحيطة، وظاهر فيه خيال غريبة مالوش ملامح، لا هو خيال إنسان ولا حيوان، حاولت أركز أكتر عشان أحاول ألمح وأشوف ده ايه، قولت يمكن قطة ولا كلب مثلًا في الشقة، لكن الظل كان غريب وبيتحرك بطريقة أغرب، وفجأة حركته وقفت وثبتت في المكان اللي اتشنق فيه محمد، الغريب بقا إني ساكن في السادس ومستحيل أشوف الدور الأول من جوه، لكن أنا كنت شايف كل حاجة كإني جوه الشقة بالظبط، ورجع الخيال يتحرك وخرج من الشباك، وراح مشي على واجهة العمارة لحد ما دخل الشقة اللي في الدور التاني.. وأنا كل ما الخيال يتحرك من مكان لمكان، ألاقي زوية رؤيتي أختلفت، وأكون شايف كل حاجة.
نزلت بسرعة من البيت ودخلت العمارة من غير ما العسكري اللي واقف يشوفني، وقولت أحذر أستاذ محمود ومدام إيمان من الخيال ده، وأنا أصلًا ما أعرفش إيه تفسير وجوده، ولا عارف أقولهم إيه يعني؛ اقولهم أنا شوفت خيال داخل شقتكم؟! بس ده اللي لقيت نفسي بدون وعي بعمله.
وأول ما وصلت لباب شقتهم فضلت أخبط كتير جدًا وماكنش حد بيفتح، وفجأة الباب اتفتح براحة وظهر من وراه الطفلين قاعدين في الأرض وجمبهم جثة أبوهم وأمهم.. ماعرفتش أعمل إيه؟ رجليا رافضة الحركة واتخرست وكأني فقدت النطق، وبدأ الطفلين يتحركوا ناحيتي! كل واحد فيهم شكله غريب جدًا، عنيهم لونها لبني زي الناس اللي ربنا يعافيها بيعانوا من مايه زرقا، والدم مغطي هدومهم، وبدأت البنت بخطوات أسرع تيجي ناحيتي، فجريت على تحت وفضلت أصرخ لحد ما وصلت باب العمارة، فلقيت رامي في وشي، الولد الصغير ابن محمود، وأنا أصلًا لسه سايبه فوق، فضلت أصرخ والناس اتلمت والعسكري وساعتها رامي اختفى.
بدأت الناس تسألنى مالك، وأنا مش قادر أبلع ريقي، ولا قادر آخد نفسي، وفضلت أشاور لهم على فوق، وماحدش فاهم مني حاجة، وطلعت منى مرة واحدة كلمة محمود وإيمان اتقتلوا.. جري العسكري ومعاه حبة من الناس على فوق، لقوا الأسرة بالكامل مدبوحين، محمود ومراته إيمان وابنهم رامي وبنتهم رضوي.
الناس بقت في حالة ذهول رهيبة من اللي شايفينه وبيحصل.. المرة دي كانت مختلفة لأنها التالتة، والدنيا اتقلبت والنيابة سابت قوة على باب العمارة والسطح، والطب الشرعي لقى نفس العلامات بتاعت الصوابع على جثث الأب والأم، بس الأطفال لا.. المنطقة كلها اتقفلت واتحط عليها حراسة عشان الموضوع أصبح كبير جداً، ومافيش حد فاهم حاجة ولا عنده تفسير للي بيحصل نهائي.. فات يومين وكنت خلالهم في المستشفي من الصدمة، وسمعت إن البنت رضوى كان لسه فيها الروح وماماتش، عايشة لكن في حالة خطيرة، وفي نهاية اليوم وبعد الزيارة ومعرفتي للخبر، كنت بستعد إني هخرج الصبح، وكنت بقيت كويس وبجهز شنطتى وحاجتى عشان أخرج من المستشفي، وفي الوقت ده باب الحمام اللى داخل الغرفة اتفتح، التفت بسرعة عشان ألاقي رضوى واقفة في وشي وبتقول:
ساعتها الفجر أذن ورضوى اختفت، خوفت جدًا وأخدت شنطتي ونزلت جريت مشيت من المستشفى، رجعت المنطقة واستنيت لحد ما قدرت أجمع كل الناس، وقولت لهم كل اللي حصل، وأنا ما أعرفش اللي حكيته ده هيكتب نهايتي فعلاً، ولا كنت أسكت، وإيه اللي كان المفروض أعمله.. واحد من الجيران قال إن في شيخ هو اتكلم معاه وجاي الساعة 12 بليل، كانت الساعة وقتها 8، واتفقنا إن الساعة 12 هنتجمع في شقة عم متولي، وفي الميعاد اتجمعنا تحت العمارة وطلعنا على شقة عم متولي، اللي رحب بينا جدًا، بس لاحظت إن الشيخ وهو داخل الشقة كان على وشه علامات غريبة ماقدرتش أفسرها، كان طبيعي لحد ما دخل من باب الشقة، ووقتها زي ما يكون دخل جهنم، وبعد حوالي ساعة من الكلام، وبعد ما سمع الحكاية كلها، طلب مني أدخل معاه غرفة شهاب، لأني طبعًا الوحيد اللي شهدت موت محمد والأسرة اللي شقتهم فوق شقته، بس أنا رفضت، وقولت له مستحيل ده يحصل، كفايا اللي أنا شوفته، فقتل لي:
ماكنش قدامي حجة إني أرفض، ودخلنا الأوضة، جيت أولع النور زعق فيا وقال لي:
_ أوعى تلمس أي حاجة نهائي، واقعد ثابت ماتتحركش، ومهما حصل أو شوفت ماتتكلمش نهائي.
فقولت له:
_ هو هيحصل إيه طيب، أو ممكن أشوف إيه؟
زعق فيا تاني وقال لي:
_ اسمع الكلام وبس.
طلع من جيبه شمعة ونورها وثبتها في ركن من أركان الأوضة، وبدأ يقرأ آيات معينة، وبدأت الأوضه تتهز ودرجة حرارتها تعلى، وبعد دقيقة حل صمت رهيب، فقام ولع 5 شمعات كمان وثبتهم على ناحية زوايا الاوضة على شكل دايرة، ساعتها كل شمعة عملت بنورها ضل على الحيطة، والمرعب إن كل واحد من اللي ماتوا ظهر له خيال جوه ضل نور كل شمعة.. وبدأ الشيخ يتمتم بحاجات مافهمتهاش، ولا عارف معناها، وبعدها سأل شهاب، أو ضل شهاب بمعنى أوضح:
_ حكايتك إيه؟
فسمعت صوت بيقول:
_ تالت يوم لينا هنا، كنت بستعد أصلى الفجر، وكان فاضل ساعة والفجر يأذن، فقولت أصلي وأنام وقومت أخد دش ورجعت الأوضة، وأول ما دخلت؛ باب الأوضة اتقفل لوحده، والنور اطفى، فخوفت وحاولت أجري أفتح الباب، لكن لقيته مقفول بإحكام، ولقيت كشاف الموبيل اللى كان على التسريحة اشتغل لوحده، وظهر في ضوءه خيال، وقال:
(أنا ساكن الأرض، دمي اتهدر هنا، ورجعت آخد حقي من اللي قتلني، وأنت هتكون أول حاجة أرجع بيها حقي، متولي وعامر أخدوا مني الأرض ودفنوني فيها، والنهار ده جت لي الفرصة إني انتقم أخيرًا)
بعدها النور رجع والباب اتقفل، مع الأيام لقيت نفسي اتغيرت ومابقتش أن، حاولت أعمل أي حاجة تخلي الشيء ده يسيبني في حالي، لكن ماقدرتش، والنهاية كان مجرد وقت ونفذ انتقامه.
خلص كلام الضل اللي على شكل شهاب، ولقيت الشيخ بيسألني؛ إن كان عم متولي شريك في العمارة، ومين صاحب العمارة، وهل ليه قرايب هنا من السكان ولا لا؟
فقولت له إني ما أعرفش حاجة غير إن العمارة دي ملك لواحد اسمه عامر، وإن ابنه عصام لسه متجوز جديد وليه شقة هنا، بالاضافة لواحدة اسمها مدام جيهان اللي نعرفه إنها قريبته.
لقيته طفى الشمع وقال لي تعالى معايا بسرعة، وطلع يجري ونزل على تحت وأنا وراه، وورانا باقي الناس اللي كانوا قاعدين بره مع عم متولي، نزلنا الدور الخامس اللى كان فيه عصام ابن صاحب البيت ومراته، ولقيت الشيخ وقف عند الباب اللي كان مفتوح وهو بيقول:
_ لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالل
ودخلنا عشان نلاقي جثث متعلقة من رقبتهم ومشنوقين كلهم جمب بعض، نفس المنظر اللس كنا شوفناه في شقة محمد في الدور الأول، بس المرة دي الميتين هما عصام ومراته ومدام جيهان والحاج عامر، ال4 مشنوقين ومتعلقين في الصالة.
بدأ الشيخ يقرب من الجثث، فندهت عليه إنه مايلمسش حاجة، لكنه قرر إنه مايسمعنيش، وما التفتش ليا حتى، وأول ما قرب منهم النور قطع لثانيتين تلاتة، وبعدها النور جه وجثة مدام جيهان اختفت.
لقيت الشيخ بيتحرك وبيسألني فين شقتها، فجريت قدامه ونزلنا علر شقتها اللي في الدور التالت، ولما دخلنا ولقيناها نايمة على سريرها جثة وميتة، الشيخ فتح الدولاب بتاعها، فضل يدور فيه وطلع صندوق شكله قديم كده وفتحه، والصندوق ده كان فيه تقريبًا حل اللغز.. لقينا ورق وحُجج تثبت بيع نهائي للأرض من شخص اسمه علي الشمري لعامر ومتولي، وغالباً الورق والحجج مزورين، والشهود على العقد هما أستاذ محمود ومحمد، وعقد جواز عرفي ما بين مدام جيهان والحاج عامر، وعقد جواز ما بين علي الشمري وجيهان.. تقريبًا أنا فهمت كل حاجة، وبقى عندي تفسير واضح للي بيحصل.
الأرض كانت ملك لعلي الشمري زوج جيهان اللي بشكل أو بآخر حاولت تقنعه ببيعها لمتولي وعامر، وهي كانت على علاقة بعامر، لكن علىطي رفض، يمكن كان عارف العلاقة دي، ويمكن كانت الأرض غالية عنده، وواضح إنه ماكنش عند علي وجيهان أولاد، لأن مافيش حد كان بيتردد عليها نهائي، بعد الرفض من علي بالبيع، قرر عامر ومتولي وجيهان يخلصوا من علي، أنا فاكر إن محمود ومراته كانوا شغالين في الشهر العقاري، ويمكن أو أكيد ده سبب موتهم، أكيد سهلوا لعامر إجراءات تسجيل عملية بيع مزيفة من المجني عليه للجناة، وطبعًا كان المقابل الشقة اللي كانوا ساكنين فيها، ومحمد كمان كان شاهد على العقد، فكان له نصيب في شقة هو كمان،
أخد الشيخ الورق وطلعنا لشقة عم متولي، فتحت مراته وقالت إنه مش موجود، وإن في حد اتصل بيه فنزل.
مافيش استغراب بقى خلاص، أكيد حس إن الحقيقة هتنكشف فقرر يهرب، لأنه مانزلش معانا أصلًا، وفجأة سمعنا صوت حبل بيترمي من فوق، وصوت عضم بيتكسر، عشان ساعتها نلاقي عم متولي مربوط بحبل من رقبته ومتعلق من السطح، وجسمه نازل عند بير السلم.. ورفعت عيني لفوق ولقيت حد أو خيال واقف جمب الحبل، الخيال المرة دي كان مختلف، لأن كان فيه عنين واضحة، وكانت عنيه ناحيتي وبيبص لي، وبعدها اختفى..
ماحدش في الناس كان مستغرب من اللي بيحصل المرة دي، وكإننا واقفين بنتفرج علر فيلم، ومستنين كل واحد ياخد جزاء عمله، اتصلنا بالنيابة وقدمنا لهم الأوراق اللي لقيناها، وأخدوا الجثث للتشريح، وفات يومين وبدأت النتايج تظهر:
تم صدور قرار بإزالة العمارة، تقيد القضية ضد مجهول لعدم اكتفاء الأدلة، أما عم سيد ومراته تم تعويضهم بشقة تانية ومشيوا لأن ماكنش ليهم علاقة بأي حاجة، ومتطلعوش قرايب صاحب العمارة زي ما كنا فاكرين،
وجت اللودرات عشان تهد العمارة وانا واقف سرحان وبقول لنفسي:
قد كده الفلوس بتعمى.. معقول نفس الإنسان توصله للشر بالطريقة دي، لدرجة إن نفسه تغلب تفكير الشياطين..إزاي ناس تتجمع على الأذية بالشكل ده ويرجعوا يتعايشوا عادي ويمارسوا حياتهم اليومية بسهولة..إزاي بيقدروا يناموا ويشربوا وياكلوا عادي من غير أي تأنيب ضمير؟ كنت زمان بصدق لما يقولوا دي ساعة شيطان واتقي الشر، بعد اللى شوفتوا ممكن أقول إن نفوس البشر أخطر من ألف شيطان، حتى الشياطين ممكن يعجزوا عن التفكير السيء اللي البشر بيقدروا يفكروا فيه وبينفذوه بمنتهى الإتقان
في الآخير تم إزالة العمارة بالكامل، وساعتها جم يبنوا عمارة جديدة خالص، والمفاجأة أنهم لقوا جثة مدفونة تحت العمارة وهما بيرموا الأساس للعمارة الجديدة، وبعد التشريح والفحص، لقوها جثة عامر شريك متولي..
وتم بناء عمارة جديدة، والناس سموها واطلقوا عليها: (عمارة الشمري)..
تمت..
عمارة الشمري